المحاضرة الخامسة
دوافع النشاط الاقتصادي في كل من النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي
أولاً : دوافع النشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي :
في هذا الإطار، نبين (أ) عوامل توجيه النشاط الاقتصادي، ثم نبين (ب) كيفية توزيع الدخل في ظل اقتصاد السوق.
أ) عوامل توجيه النشاط الاقتصادي :
يدفع الأفراد إلى اختيار نوع النشاط الاقتصادي الذي يساهمون به في عمليات الإنتاج فرص الربح المهيأة أمامهم. فدافع الربح هو الموجه لحركة النشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي. فكل فرد يسعى إلى تحقيق أكبر ربح ممكن بأقل تضحية ممكنة.
وجهاز الأثمان في النظام الرأسمالي هو الذي ينظم النشاط الاقتصادي حيث يرشد الأفراد إلى فرص الربح الموجودة في المجالات المختلفة. فالنشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي يخضع أساسا لقوى السوق (العرض والطلب) وجهاز الأثمان هو الذي يربط بين العرض والطلب، فهو الأداة الفعالة في إيجاد التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
فارتفاع الأثمان يؤدى إلى زيادة أرباح المنتجين الأمر الذي يدفعهم إلى التوسع في الإنتاج فتزداد الكمية المعروضة على نحو قد يؤدى إلى وقف ارتفاع الأثمان وربما إلى انخفاضها. ويستفيد من ذلك المستهلك بحصولهم على السلع التي تناسب تفضيلاتهم.
والأثمان هي التي تحدد كيفية توزيع عوامل الإنتاج على القطاعات الإنتاجية المختلفة حسب رغبات المستهلكين. فازدياد طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى ارتفاع ثمنها وزيادة أرباح منتجيها والتوسع في إنتاجها. ونقص طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى انخفاض ثمنها ونقص أرباح منتجيها وانكماش إنتاجها أو توقفه.
وقد ينذر ارتفاع الأثمان بزيادة الندرة النسبية للسلعة ويدفع بالتالي إلى تخفيض الكميات المستهلكة منها. فدور الأثمان في تحديد الاستهلاك لا يقل عن دورها في تنظيم الإنتاج حيث يحدد المستهلكون نوع السلع التي يطلبونها والكميات المطلوبة من كل منها في ضوء أثمانها. فالطلب الكلي ينخفض بارتفاع الأثمان ويرتفع بانخفاضها.
وارتفاع أثمان بعض السلع وانخفاض بعضها الآخر يؤدى إلى تحويل عوامل الإنتاج من الصناعات التي انخفضت أثمان منتجاتها إلى الصناعات التي ارتفعت أثمان منتجاتها، وعلى هذا النحو يتم توجيه الموارد الاقتصادية حسب تفضيلات الأفراد تطبيقاً لمبدأ سيادة المستهلك.
ويشترط لقيام جهاز الأثمان بدوره في توجيه النشاط الاقتصادي طبقاً لرغبات المستهلكين أن تتمتع عوامل الإنتاج بحرية الانتقال بين فروع الإنتاج المختلفة.
ب) كيفية توزيع الدخول في ظل اقتصاد السوق:
تلعب الأثمان أيضاً دورا رئيسيا في التوزيع الأولى للدخل القومي بين عوامل الإنتاج التي ساهمت في العمليات الإنتاجية في صورة فوائد لأصحاب رأس المال وأجور للعمال وأرباح للمنظمين وريع لملاك الأراضي. فتوزيع الدخل القومي في صورة مكافآت لعوامل الإنتاج يتم على أساس حركات أثمان عوامل الإنتاج وهى تتأثر بعرض وطلب كل عامل منها.
والربح هو الفرق بين ثمن المنتجات النهائية وثمن عناصر الإنتاج، والأجر هو ثمن قوة العمل التي يبذلها العامل في الإنتاج ويتوقف على عرض العمل من جانب العمال والطلب عليه من جانب أصحاب الأعمال، والفائدة هي الثمن الذي يدفع لممول رأس المال.
ثانيا : دوافع النشاط الاقتصادي في ظل النظام الاقتصادي الاشتراكي أو الموجه :
يتم تنظيم الحياة الاقتصادية وتوزيع موارد الإنتاج على القطاعات المختلفة طبقاً لخطة عامة تضعها السلطة المركزية وتلتزم بتنفيذها كافة الوحدات الإنتاجية. ويساعد السلطة المركزية في وضع الخطة العامة عدد من الإدارات تختص كل إدارة منها بدراسة مشكلة معينة واقتراح ما تراه في شأنها من قرارات. وتتولي السلطة المركزية دراسة مقترحات الإدارات المختلفة والتوفيق بينها بالتضحية ببعض الحاجات لإشباع الآخر حسب الإمكانيات القومية.
فجهاز التخطيط يأخذ شكلاً هرمياً تمثل قمته هيئة التخطيط العليا التي تضع الخطة الاقتصادية والاجتماعية وتقوم بالتنسيق بين هيئات التخطيط. وتشمل الخطة العامة جانبي الإنتاج والاستهلاك.
فالخطة تحدد معدلات الإنتاج وكميته ونوعه على نحو تفصيلي يبين لكل وحدة من الواحدات الإنتاجية نصيبها من الإنتاج الكلي وما يلزم لتحقيق هذا الإنتاج من عناصر الإنتاج. وليس لأي وحدة أن تقوم بإنتاج سلعة جديدة دون أن تتلقى بذلك أوامر من سلطة التخطيط العليا.
ولا تستهدف خطة الإنتاج تحقيق الربح وإنما تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة. وبذلك تكون الإنتاجية عبارة عن العائد الاجتماعي، ولا تنحصر في مجرد الأرباح النقدية. فقد تضحي السلطة العامة ببعض متطلبات الجيل الحاضر بقصد بناء قاعدة صناعية قوية وجهاز إنتاجي متين عند توزيع الاستثمارات بين الإنتاج الاستهلاكي لإشباع الحاجات الحالة وبين إنتاج أدوات الإنتاج لزيادة إشباع الحاجات في المستقبل. ومعني ذلك أن توزيع موارد الإنتاج على الصناعات المختلفة لا يتم عن طريق جهاز الأثمان الذي يتكفل بأداء هذه المهمة في النظام الرأسمالي.
وتقيد حرية الأفراد في العمل ببعض القيود التي تضعها الدولة لتحقيق المصلحة العامة. فالدولة تستطيع توجيه الأفراد في اختيار المهن واختيار المجال الاقتصادي الذي يساهمون فيه بمجهودهم طبقاً لحاجات المجتمع لكي تضمن توافق التخصصات مع احتياجات المشروعات المدرجة في الخطة العامة.
وتحدد الخطة معدلات الاستهلاك وهيكله. فالإنتاج لا يتم طبقاً للطلب المتوقع على السلع المختلفة كما أنه لا يتم بناءً على اختيارات أو تفضيلات المستهلكين وإنما يتحدد بناءً على ما ترسمه الخطة العامة. وقد يتم توزيع بعض السلع المنتجة على المستهلكين ببطاقات يحدد فيها لكل فرد حصة لا يجوز له أن يتعداها أما السلع التي لا توزع بالبطاقات فيترك تنظيم توزيعها للثمن الذي تحدده الدولة.
وجهاز الثمن في النظام الاشتراكي موجود ولكن لمهمة أخرى تختلف عن مهمته في النظام الرأسمالي. فالثمن في النظام الاشتراكي جزء من الخطة العامة، في حين أنه في النظام الرأسمالي المنظم الذي يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب، فالثمن في النظام الاشتراكي مخطط ، ويتم التوازن بين العرض والطلب عن طريق الخطة العامة وتوزيع قدر من القوة الشرائية على العمال بقدر يتناسب مع مقدار الإنتاج.