المحاضرة 6
بعض نماذج الاقتصاد الكلي
يمكن أن نستعرض بعض نماذج الاقتصاد الكلي من خلال الدخل القومي (أولاً) والاستهلاك القومي (ثانياً) والاستثمار القومي (ثالثاً).
أولاً : الدخل القومي :
والدخل القومي هو المصدر الذي تشتق منه جميع الكميات الاقتصادية من استهلاك وادخار واستثمار حتى قيل أن المشاكل الاقتصادية الرئيسية في أي بلد من البلاد هي المشاكل المتعلقة بدراسة العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي واستقراره وعدالة توزيعه.
1) المقصود بالدخل القومي :
الدخل القومي لأي دولة من الدول هو عبارة عن قيمة إنتاج هذه الدولة من السلع والخدمات خلال فترة معينة تتخذ أساس لقياس هذا الدخل. وقد جرى العرف الاقتصادي على تقدير الدخل القومي لفترة زمنية طولها سنة.
ويدخل في هذا الإنتاج كل ما أنتجه المجتمع من سلع مادية وغير مادية، والسلع المادية قد تكون سلعاً استهلاكية تستخدم مباشرة في إشباع حاجات الأفراد، وقد تكون سلعاً رأسمالية تستخدم في إنتاج غيرها من السلع الاستهلاكية أو الرأسمالية.
وزيادة الدخل القومي في سنة ما عنه في السنوات السابقة تدل على رخاء الدولة في هذه السنة، ونمو نشاطها الاجتماعي، وارتفاع الدخول التي حصل عليها المواطنون وارتفاع مستوى معيشتهم بزيادة قدرتهم على شراء السلع والخدمات.
2) العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي :
وإذا كان الدخل القومي هو عبارة عن قيمة مجموع الناتج القومي فإن مستوى هذا الدخل يتوقف على العوامل التي تؤثر في حجم الإنتاج القومي.
Û ويتوقف حجم الإنتاج القومي بالدرجة الأولى على ما لدى الدولة من عوامل الإنتاج ودرجة تشغيل هذه العوامل. فالإنتاج هو الحصيلة النهائية لتعاون العمل مع رأس المال ومع الأرض بمواردها الطبيعية.
Û فبالنسبة للموارد الطبيعية نجد أن الإنتاج يزداد كلما كانت الدولة غنية بثروتها الطبيعية، وينقص كلما كانت الدولة فقيرة في هذه الثروة، علي فرض وجود العدد الملائم من العمال لاستغلالها. ويتوقف الإنتاج في القطاع الزراعي على مساحة الأرض الصالحة للزراعة ودرجة خصوبتها.
Û ويتوقف الإنتاج القومي أيضاً على كفاءة العمال، وأثر العمال على الإنتاج أثر واضح، فكلما كان سكان الدولة أصحاء ومتعلمون ومهرة في أداء أعمالهم كلما زاد حجم الإنتاج القومي، والعكس صحيح.
Û ومن العوامل ذات الأثر المباشر علي حجم الناتج القومي، رأس المال الموجود في الدولة. فوفرة الأصول ذات الكفاءة الإنتاجية العالية تؤدى إلى زيادة حجم الإنتاج، بينما تؤدي قلة الأصول الرأسمالية إلى ضآلة الإنتاج.
Û وبالإضافة إلى كمية عوامل الإنتاج الموجودة في المجتمع، يتوقف الإنتاج القومي على مدى الكفاءة التي تعمل بها هذه العوامل، وبالتالي فإن هذا الإنتاج يتأثر بدرجة التخصص القائمة في المجتمع، ودرجة التقدم الفني، ومدى الاقتراب من النسب المثلي للتأليف بين عوامل الإنتاج.
Û ويجب أن ننبه أن ثمة عوامل ليس للإنسان قدرة على التحكم فيها، قد تؤثر على حجم الإنتاج، كالظروف الجوية والكوارث الطبيعية والحروب.
3) طرق قياس الدخل القومي :
تهتم كافة الدول بقياس الدخل القومي قياساً فعلياً بالنسبة للفترات الجارية، كما تهتم بقياس هذا الدخل قياساً تقديرياً بالنسبة للقنوات المقبلة . فالدولة تسترشد بهذا القياس عند وضع وتنفيذ سياستها الاقتصادية والمالية وتعتبر مشكلة توزيع الدخل القومي بين من ساهموا في العملية الإنتاجية، ومدى عدالة هذا التوزيع، والآثار الاقتصادية المترتبة عليه، ووسائل إعادة توزيع الدخل القومي على نحو يحد من التفاوت بين الطبقات، من المشكلات التي حازت انتباه الحكومات في العصر الحديث.
وقد جرت عادة الدول على قياس الدخل القومي خلال فترة زمنية طولها سنة طبقاً لطريقة من ثلاث طرق هي (أ) طريقة الناتج الكلي (ب) وطريقة الدخول الموزعة (ج) وطريقة الإنفاق الكلي.
1) طريقة الناتج الكلي :
تعتمد هذه الطريقة على إحصاء قيمة كل السلع والخدمات التي تنتجها الدولة خلال السنة، مع تجنب تكرار حساب السلع الوسيطة، حيث يجب ألا تحتسب قيمة أي سلعة أو خدمة أكثر من مرة واحدة. ومن هنا كان من الضروري استبعاد قيمة المنتجات التي تستخدم خلال السنة كمادة أولية لمنتجات أخرى. فكل السلع التي لا تستهلك مباشرة وتدخل في تكوين سلع جديدة يجب احتساب قيمتها مرة واحدة لتجنب المبالغة في قيمة الدخل القومي. مثال ذلك اللبن الذي يدخل في إنتاج الشيكولاته، والدقيق الذي يدخل في إنتاج الخبر، والقوى المحركة التي تستخدمها المنشآت في إدارة آلاتها وتحتسب ضمن تكاليف الإنتاج.
2) طريقة الدخول الموزعة :
وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على حساب جميع الإيرادات التي حصل عليها كل من ساهموا بنشاطهم الاقتصادي في العملية الإنتاجية. ففي سبيل تحقق الناتج الكلى في أي دولة، يبذل العمال مجهودهم مقابل الحصول على أجورهم، ويقدم أصحاب رؤوس الأموال أموالهم مقابل الحصول على فائدة عنها ، ويقوم المنظمون بالتأليف بين عوامل الإنتاج السابقة مقابل الحصول على ربح مناسب للمخاطرة التي يقدمون عليها. وبهذا يكون الناتج الكلي الذي ينتج أثناء السنة في جميع القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية حصيلة اشتراك جهودهم وممتلكاتهم وإمكانياتهم في العملية الإنتاجية، ويوزع هذا الناتج عليهم في صورة عوائد لعوامل الإنتاج المملوكة لهم.
3) طريقة الإنفاق الكلي :
وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على إحصاء قيمة السلع التي حصل عليها الأفراد أثناء العام لإشباع حاجاتهم الشخصية "الاستهلاك"، وقيمة الزيادة التي تحققت أثناء العام في السلع الرأسمالية (الاستثمار). فالاستهلاك والاستثمار اللذان تما أثناء العام يشكلان استخدامات الناتج القومي.
ثانيا : الاستهلاك القومي :
أ) تعريف الاستهلاك :
يوزع الدخل عادة بين نوعين من الإنفاق :
1- الإنفاق على السلع والخدمات التي تستهلك في الفترة الجارية، وهو الإنفاق الذي تشترى به الضروريات والكماليات اللازمة للناس في حياتهم اليومية، وهذا النوع من الإنفاق يطلق عليه(الاستهلاك).
2- الإنفاق على السلع التي لا يتم استهلاكها في الفترة الجارية، وهو الإنفاق الذي يؤدى إلى زيادة رأس المال الحقيقي للمجتمع عن طريق شراء السلع التي تضم إلى ثروة المجتمع الحقيقية، وهذا النوع من الإنفاق يطلق عليه لفظ (الاستثمار).
فما هي العوامل التي تحد مقدار الاستهلاك؟
ب) العوامل التي تحدد مقدار ما ينفق من الدخل على الاستهلاك :
يمثل الاستهلاك الذي يقوم به الأفراد أكبر العناصر المكونة للإنفاق الكلي ويتوقف حجم الاستهلاك على عوامل كثيرة:
فالأفراد يزيدون من استهلاكهم إذا ما توقعوا ارتفاعا في الأسعار، أو اعتقدوا أن السلع سوف تشح في المستقبل، أو شاعت بينهم عادة التفاخر بما يستهلكون، أو خطر لهم أن الأموال التي لا ينفقونها في الاستهلاك سوف تتلف عليهم.
ومع ذلك يبقى مقدار الدخل أهم اعتبار يعتمد عليه الأفراد في تحديد نطاق استهلاكهم، فكلما ازداد دخل الفرد، ازداد ما يستهلكه، وإذا كان هناك بعض الأغنياء الذين ينفقون قدراً ضئيلاً من دخولهم على الاستهلاك، وبعض الفقراء ينفق على الاستهلاك كمية أكبر مما يستهلكه الأغنياء، إلا أن ذلك لا يسقط قاعدة زيادة الاستهلاك بزيادة الدخل بالنسبة للطبقتين. فمستوى استهلاك الغني يزيد بزيادة دخله، ومستوى استهلاك الفقير يزيد بزيادة دخله، بمعنى أن الفقراء والأغنياء يستهلكون في حالة زيادة الدخل كمية أكبر مما كانوا يستهلكون أو بقيت دخلوهم على ما كانت عليه.
وإذا كان سلوك الأفراد تجاه التغيير في دخولهم يختلف باختلاف ميولهم، إلا أنه من الأوضاع غير المألوفة أن نجد أفرادا يقل استهلاكهم كلما زاد دخلهم الحقيقي، أو أفرادا يزيد استهلاكهم نتيجة لانخفاض دخلهم.
وتعرف العلاقة بين دخل الفرد ومقدار ما ينفقه هذا الفرد على شراء سلع الاستهلاك بالميل "للاستهلاك". والميل للاستهلاك هو الذي يمكننا من حساب القدر الذي يستهلكه الفرد من دخله عند كل مستوى من مستويات هذا الدخل. فبمعرفة دخل الفرد، وميله للاستهلاك يمكن الوصول إلى معرفة مقدار ما ينفقه على الاستهلاك من هذا الدخل.
ويمكن حساب الميل للاستهلاك بالنسبة للفرد الواحد، وبالنسبة لمجموعة من الناس، وبالنسبة لمجموع السكان في الدولة. والميل للاستهلاك في الدولة هو عبارة عن الميول المختلفة لسكانها بالإضافة إلى ما تستهلكه الحكومة.
وبمعرفة الميل للاستهلاك في الدولة يمكننا معرفة مقدار ما ينفق من دخلها القومي على الاستهلاك .
فإذا كان الميل للاستهلاك
5
ــ
6
كان معنى ذلك أن كل دخل تحصل عليه الدولة في مجموعها ينفق منه خمسة أسداس على الاستهلاك. فعندما يكون الدخل 30 مليارا من الجنيهات، يكون مقدار ما ينفق على السلع الاستهلاكية والخدمات من هذا الدخل مبلغا قدرة 25 مليارا من الجنيهات. وعندما يصل هذا الدخل إلى 36 مليارا من الجنيهات، يكون مقدار الاستهلاك 30 مليارا من الجنيهات.
وإذا كان الميل للاستهلاك على هذا القدر من الأهمية فما هي العوامل التي يتأثر بها هذا الميل؟
9 العوامل التي تسيطر على الميل للاستهلاك :
تسطير على الميل للاستهلاك عوامل موضوعية وعوامل ذاتية.
Å تتمثل العوامل الموضوعية التي تؤثر على الميل للاستهلاك.
1- توزيع الدخل القومي.
2- التغيير في سعر الفائدة.
3- التغيير في السياسة المالية للدولة.
4- التغيرات المفاجئة في دخول الأفراد.
9 أما العوامل الذاتية فيمكن لكل دارس أن يحددها.
ثالثا : الاستثمار القومي :
أ) تعريف الاستثمار:
يوزع الإنفاق الكلي بين الاستهلاك والاستثمار. والاستهلاك هو الجزء من الدخل الذي يخصص للإنفاق على سلع الاستهلاك. أما الاستثمار فهو ذلك الجزء من الدخل الذي يخصص للإنفاق على سلع الإنتاج. ويمول الاستثمار عن طريق الادخار وهو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل. ولكن ما هو السبب في بقاء لفظي الادخار والاستثمار، ولماذا لا يستغنى عن أحدهما والإبقاء على الآخر.
ب) الادخار والاستثمار :
يتم التوافق بين الادخار والاستثمار بالنسبة للمجتمع بأسره، وليس بالنسبة لفرد أو مجموعة من الأفراد، كما هو الحال تماماً فيما يتعلق بالتوافق بين الدخل والإنفاق. فالفرد حر في أن يدخر جزءا أكبر مما يستثمر أو أن يستثمر جزاء أكبر مما يدخر، ولكن مجموع المدخرات يساوى مجموعة الاستثمارات على مستوى المجتمع بأسره.
ومن الحقيقة السابقة يمكن تبرير الإبقاء على لفظي الادخار والاستثمار معاً. فقرارات الادخار والاستثمار لا تتخذها طائفة واحدة من الأفراد لنفس الدوافع. فكل نوع من هذه القرارات يصدر من طائفة مستقلة في دوافعها عن الطائفة الأخرى. فالأفراد هم الذين يقومون بالادخار بناء على عاداتهم وميولهم حسب ظروفهم المختلفة، بينما يقوم بالاستثمار المنظمون بناء على تقديراتهم وتوقعاتهم عن عوائد الاستثمار في المجالات المختلفة. ومن هنا كانت ضرورة التفرقة بين الدور الذي يقوم به كل فريق فما يقوم به المدخرون يسمي ادخارا، وما يقوم به المستثمرون يسمى استثمارا.
ودوافع الادخار عند المدخرين ليست لها إلا علاقة ضعيفة بفرص الاستثمار الموجودة في المجتمع . فالأفراد يدخرون حتى ولو لم تكن هناك فرص استثمار مربحة، وهم يحتفظون بمدخراتهم في هذه الحالة في صورة رصيد من العملة السائلة.
أما دوافع الاستثمار فتتمثل في توافر فرص الاستثمار المربح، وهى فرص تتوقف على الفنون الإنتاجية الجديدة، وظهور موارد جديدة، وعلى التغيير في المستوى الفكري والثقافي للسكان، كما تتوقف على توقعات أرباب الأعمال وعلى السياسة المالية والتشريعية للدولة.
فالقوى المحددة للادخار مستقلة تماماً عن القوى المحددة للاستثمار. ومع ذلك يجب أن يبقى واضحاً أن اغتنام فرص الاستثمار يتطلب قدرا من المدخرات لتمويل المشروعات. فالادخار هو مصدر تمويل الاستثمار، ومن ثم يجب أن تكون السياسة الادخارية والسياسة الاستثمارية في اتجاه واحد.
ج) العوامل التي يتوقف عليها حجم الاستثمار :
الاستثمار هو الإنفاق على السلع التي لا تستهلك في الفترة الجارية، كالإنفاق لزيادة المخزون أو لبناء المساكن أو لإقامة المصانع وإنتاج الآلات، فالإنفاق الاستثماري هو الإنفاق الذي يتم لإيجاد أصول جديدة، وكل ما يدفع الأفراد أو الشركات أو الحكومة لإنفاق جزء من الدخل لإيجاد هذه الأصول يعتبر دافعاً من دوافع الاستثمار.
ويتم الاستثمار في أي أصل من الأصول الرأسمالية إذا كانت المنافع المنتظرة من هذا الأصل أكبر من المنافع المنتظرة من أي أصل آخر يتساوى معه في التكاليف، فالمستثمر يوازن بين استثمار نقوده في الأصول المختلفة ليختار من هذه الأصول ما يعطيه أكبر المنافع.
والمستثمر لا يقوم بأي عملية من عمليات الاستثمار إلا إذا كان العائد الصافي لهذه العملية أكبر من سعر الفائدة، سواء كان المستثمر مقترضا للمال أو مالكا له. فالمستثمر المقترض عليه أن يسدد الفائدة المستحقة عليه من عائد استثماره. والمستثمر المالك عليه أن يعوض الفرصة التي تنازل عليها وهى إقراض أمواله للغير بفائدة. فالمستثمر يتوقف عن الاستثمار عند تساوى الكفاية الحدية للأصل مع سعر الفائدة، والكفاية الحدية للأصل هي العائد السنوي المتوقع الحصول عليه من استغلال الأصل.
فمستوى الاستثمار يتحدد عند النقطة التي تساوى فيها الكفاية الحدية للاستثمار مع سعر الفائدة. ومعنى ذلك أنه إذا حدث تغير في الكفاية الحدية للاستثمار أو في سعر الفائدة حدث تغيير في مستوى الاستثمار.
فزيادة الكفاية الحدية للاستثمار مع ثبات سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة مستوى الاستثمار، لأن كثيراً من الاستثمارات التي لم تكن مربحة عند أسعار الفائدة الجارية تستطيع أن تدخل مجال الاستثمار وتحصل على معدل كاف من العائد يغطي فوائد الأموال المستثمرة.
وارتفاع سعر الفائدة مع ثبوت الكفاية الحدية للاستثمار يؤدى إلى انخفاض مستوى الاستثمار، لأن بعض فرص الاستثمار التي كانت تعطي عائدا كافيا لتغطية الفوائد أصبحت غير مربحة.
ويزداد مستوى الاستثمار إذا انخفض سعر الفائدة مع بقاء الكفاية الحدية للاستثمار على حالها، أو إذا زادت الكفاية الحدية للاستثمار زيادة أكبر من الزيادة في سعر الفائدة.
وينخفض مستوى الاستثمار إذا انخفضت الكفاية الحدية للاستثمار مع بقاء سعر الفائدة على حاله، أو إذا انخفضت الكفاية الحدية للاستثمار بدرجة أكبر من انخفاض سعر الفائدة.
والكفاية الحدية لرأس المال، وهى العلاقة بين الغلات المستقبلة المنتظر الحصول عليها من الأصل الرأسمالي وتكاليف الحصول على الأصل، تتوقف بالدرجة الأولى على توقعات المنتجين ومدى ثقتهم في المستقبل من ناحية إمكانية حدوث ما يتوقعونه.
فالراغبون في الاستثمار يقومون بتقدير مقدار الطلب المستقبل على السلع التي سيستخدمون الأصول في إنتاجها، ويأخذون في حسبانهم عند إجراء هذا التقدير فرصة السلع الأخرى في أن تحل محل السلع التي سوف يقومون بإنتاجها، وفرصة المنتجين الآخرين الذين ينتجون نفس السلعة في أن يكونوا أكثر منهم كفاءة.
ويحاول المستثمرون عند اتخاذ قرار الاستثمار أن يتوقعوا الظروف الاقتصادية العامة التي سوف تحيط بمشروعهم، وما إذا كان الاقتصاد القومي مقبل على فترة طويلة من الرخاء تحقق أملهم في الربح، أم أنه مقبل على حالة كساد لا يدركون فيها إلا الخسارة.
ولما كانت الإحصاءات والبيانات لا توصل إلى تنبؤ دقيق بالمستقبل، فإن اتخاذ قرار الاستثمار يتوقف في النهاية على الشعور النفسي للمنتجين، ومدى تفاؤلهم أو تشاؤمهم. فتفاؤل المستثمرين يعطى صورة زاهية للمستقبل تدفعهم إلى الإقبال على الاستثمار الجديد، وتشاؤمهم يعطي صورة قاتمة عن المستقبل تردهم عن الاستثمار الجديد.
وليس لنا أن نبحث عن العوامل النفسية التي تؤثر على المستثمرين فتجعلهم متفائلين أو متشائمين. وإنما علينا أن نعرف أن الوسائل الدقيقة التي تمكن من حساب الغلات المنتظرة غالباً ما لا تتوافر أمام المنظمين الذين يتأثرون في تقديرهم لتلك الغلات بعوامل مختلفة أهمها العوامل النفسية.
ويمكن للدولة أن تتدخل بالمشروعات العامة لتعويض النقص في حجم الاستثمارات الخاصة في أوقات الكساد، حتى يمكن المحافظة على الحجم الكلي للاستثمارات. وتستطيع الدولة أن تقلل من استثماراتها في أوقات الرخاء، تفاديا لحدوث الارتفاع في الأسعار. وكلما كان القطاع العام في الدولة كبيراً كلما أمكنها التدخل للمحافظة على ثبات مستوى الاستثمار القومي.
ويدخل في حساب الحكومة عند قيامها بالاستثمار العائد المادي والعائد غير المادي من المنافع المستقبلة. فالمنافع غير المباشرة التي يحققها المشروع قد تجعله مشروعاً ناجحا من الناحية الاجتماعية ولو كان العائد الاقتصادي محدودا أو معدوما. ومن أمثلة المنافع غير المباشرة التي تحققها الحكومة من القيام بالمشروعات العامة، زيادة التوظف، وزيادة إنتاج السلع والخدمات الضرورية لزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، وهى زيادة تحدث نتيجة لزيادة دخول العمال باستخدام عدد منهم في المشروع الاستثماري.
ويمكن للدولة أن تتدخل للتأثير على حجم الاستثمار الخاص عن طريق تخفيض سعر الفائدة، فانخفاض سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة الطلب على أوجه الاستثمار في الأصول المختلفة. ويمكن التأثير على الاستثمار الخاص عن طريق نشر التوقعات التفاؤلية بين المنتجين عن الظروف الاقتصادية العامة في المستقبل.
ولاشك أن للحوافز المالية التي تقررها الدولة للاستثمار الجديدة آثارا إيجابية في مجال زيادة القاعدة الاستثمارية. فإعانات التجهيز والإعفاءات الضريبية تدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى استثمارها في المشروعات المعانة أو المعفاة لتوقع زيادة الأرباح الصافية لهذا المشروعات.
د) أثر زيادة الاستثمار على الدخل القومي :
تؤدى زيادة الاستثمار بمقدار معين إلى زيادة في الدخل القومي بمقدار أكبر من مقدار الزيادة في الاستثمارات.
ويزداد الدخل القومي بدرجة أكبر من الزيادة الأصلية في الاستثمار لأن الاستثمار الإضافي يؤدى إلى توزيع دخول جديدة على المشتركين فيه من عمال، وأصحاب أموال ومنظمين. وهذه الدخول الجديدة يخصص جزء منها للإنفاق على السلع الاستهلاكية. ويتوقف مقدار هذا الجزء على درجة الميل الحدى للاستهلاك، وزيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، يؤدى إلى التوسع في إنتاج هذه السلع، والتوسع في الإنتاج يؤدى إلى توزيع دخول جديدة يخصص جزء منها للإنفاق على السلع الاستهلاكية حسب درجة الميل الحدي للاستهلاك، فيزداد الطلب على السلع الاستهلاكية من جديد … وهكذا، إلى أن تصل إلى المرحلة التي يتلاشى فيها المبلغ المخصص للاستهلاك نتيجة لتناقصه في كل مرة عن المرة السابقة، فالإنفاق الاستثماري الأول لا يقتصر أثره على قيمته وإنما يتعداها إلى سلسلة من الزيادة في الدخل والإنفاق.
ويعبر عن المعامل العددي الذي يوضح مقدار الزيادة في الدخل نتيجة الزيادة في الاستثمار بمضاعف الاستثمار، فإذا زاد الاستثمار بمقدار (10) ملايين جنيه، وزاد الدخل القومي نتيجة لذلك بمقدار (30) مليون جنيه فإن مضاعف الاستثمار في هذه الحالة يساوى (3).